الصفحات

الاثنين، ٣٠ أيلول ٢٠١٣

(كيف يمكن إزالة الأسلحة الكيميائية في سورية؟)

صحيفة الفيغارو 30 أيلول 2013 بقلم جان جاك ميفيل Jean-Jacques Mevel

     تعهد نظام بشار الأسد بتقديم جرد لمواقع أسلحته الكيميائية والتوقف عن انتاجها وفتحها أمام "ممثلين عن روسيا وبقية دول الأمم المتحدة". تتوزع الترسانة الكيميائية السورية في أربعين موقعاً تقريباً، وربما قام النظام بتوزيعها في مناطق إضافية الصيف الماضي مع احتمال توجيه الضربات الغربية. إنها شبكة من المخابر ومعامل التصنيع والمستودعات ومخازن الذخيرة والأسلحة الموجودة لدى الوحدات العسكرية. بالنسبة لبلد في حالة حرب، تزداد صعوبة الجرد مع احتمال جاهزية بعض الأسلحة الكيميائية للمعركة (مدافع، راجمات، مدافع هاون...).
     تتحدث التقديرات في أغلب الأحيان عن وجود ألف طن من الأسلحة الكيميائية. ولكن يبقى تحديد فيما إذا كانت عبارة عن مكونات جامدة غير ناشطة كيميائياً ومن السهل تدميرها، أم أنها عناصر كيميائية غير مستقرة وجاهزة للاستخدام. تتضمن الترسانة السورية غاز الخردل والساران وغاز الأعصاب VX. هناك عامل مجهول آخر هو نسبة العناصر الكيميائية التي تمت "عسكرتها"، أي تمت تعبئتها في الذخيرة. قال الخبير الألماني بنزع الأسلحة رالف تراب Ralf Trapp: "في الحالة الأولى، ليست هناك مشكلة مع الصواريخ أو الصواعق أو المتفجرات. ولكن في الحالة الثانية، يمكن أن تكون العملية قاتلة في كل مرحلة من مراحل معالجتها. يتطلب ذلك المزيد من الحرص والحماية، وبالتالي المزيد من الوقت".
     ينص اتفاق جون كيري مع سيرغي لافروف على تدمير الترسانة الكيميائية قبل 30 حزيران 2014. ومن المفترض أن ينتهي المفتشون الدوليون من تفتيش جميع المواقع التي أعلنت عنها دمشق اعتباراً من 30 تشرين الثاني القادم، بالإضافة إلى تعطيل وحدات الإنتاج. يبدو هذا الجدول الزمني طموحاً، ولكن بعض الخبراء يعتبرونه ممكناً إذا رافقته الإرادة والوسائل. تحدث بشار الأسد شخصياً عن "عام واحد أو أكثر بقليل". ستتم تحديد وتيرة العمل وطريقته عبر قرار في مجلس الأمن وخارطة الطريق المنتظرة من منظمة منع الأسلحة الكيميائية. قال الخبير في مسائل الأمن الدولي دافيد شاتر David Chuter: "حتى في أوقات السلم، من الممكن أن تستغرق إزالة الأسلحة الكيميائية عدة سنوات. من الصعب تصور مهمة أكثر صعوبة من سورية".
     إن الأمر العاجل سياسياً منذ هجوم 21 آب هو جعل هذه الأسلحة غير قابلة للاستخدام، أو وضعها تحت رقابة دولية صارمة. قال الباحث البلجيكي  المتخصص في مسائل نزع الأسلحة جان باسكال زاندرز Jean-Pascal Zanders: "يجب جمع العناصر الكيميائية في عدد محدود من المواقع، ثم إتلافها بشكل يسمح بنقلها أو حتى تصديرها على شكل مخفف". لقد استغرق تدمير حوالي عشرين طناً من غاز الخردل في ليبيا حوالي ثلاث سنوات تحت رقابة منظمة منع الأسلحة الكيميائية.
     يبقى معرفة فيما إذا كانت منظمة منع الأسلحة الكيميائية تملك الوسائل اللازمة للتحرك بالسرعة المطلوبة في مثل هذه الحالة. تفتخر هذه المنظمة بأنها دمرت 80 % من مخزون الأسلحة الكيميائية التي أعلنت عنها الدول الأعضاء الموقعة على الاتفاقية، ولكنها لا تملك إلا 150 مفتشاً، وأغلبهم يعمل في مهمات أخرى. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من مسألة عدد المفتشين، إن بنود قرار مجلس الأمن هي التي ستستمح للمفتشين بالعمل  بحرية أم لا. يطرح المفتشون مشاكل أكثر عملية: من سيضمن حمايتهم وحرية حركتهم في بلد بحالة حرب؟ هل سيحصلون على تفويض بفتح جميع الأبواب؟ وماذا عن الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون؟
     قال الخبير دافيد شاتر: "إن منظمة منع الأسلحة الكيميائية تعمل في أوقات السلام، وهي مكلفة بتنفيذ التعهدات الوطنية الطوعية. فيما يتعلق بسورية، فإن الوضع مختلف تماماً. إذا نجحت المنظمة في مهمتها، فإن السبب سيكون سياسياً محضاً: لا مصلحة لأحد في واشنطن وموسكو وباريس وحتى في دمشق بأن تفشل هذه المهمة  بشكل واضح. إن إزالة الترسانة الكيميائية السورية ليست إلا جزءاً من الرهان، إنها وسيلة تهدف إلى تهدئة أزمة إقليمية ودولية أكثر اتساعاً". باختصار، إن منظمة منع الأسلحة الكيميائية مجبرة على النجاح.
     ما زال الرهان الروسي كبيراً في سورية، وذلك بعد المناورة الناجحة لإيقاف الضربات الغربية المبرمجة. إن التفكيك الناجح للترسانة الكيميائية السورية سيكون إكمالاً لسعي بوتين الهادف إلى أن يُظهر للعالم كيف تقوم الدول الغربية بإفساد مجلس الأمن وتحويله إلى مجرد أداة لإعطاء الشرعية إلى استخدام القوة كما حصل في العراق عام 1991 وصربيا عام 1999 وليبيا عام 2011. كانت روسيا أول دولة تقترح إرسال رجالها "لحماية المنشآت" عندما تبدأ منظمة منع الأسلحة الكيميائية عملها. تملك روسيا قاعدة مثالية في سورية لحماية الترسانة الكيميائية السورية هي القاعدة العسكرية في طرطوس. إذا كان سيرغي لافروف يريد إقناع الدول الغربية بجديته، من الممكن أن تتحول طرطوس إلى قاعدة عمل (أو حتى ملجأ) للمفتشين الدوليين.
     ما زالت هناك ورقة أخرى بيد الكريملين، حتى ولو كان يتجنب التباهي بها. يعرف الروس الترسانة الكيميائية السورية جيداً لسبب بسيط هو أن الاتحاد السوفييتي هو الذي قام برعاية نموها، ولاسيما خلال العقد الأخير من الحرب الباردة. إلى أية درجة؟ أجاب الخبير رالف تراب قائلاً: "تقديم المساعدة التقنية والمادية، ولكن من غير المحتمل إرسال شحنات مباشرة". على أي حال، استمرت العلاقات الشخصية فترة طويلة. بعد عشر سنوات من سقوط الاتحاد السوفييتي، أثارت قضية الجنرال أناتولي كونتسيفيتش Anatoly Kountsevitch فضيحة في موسكو. كان هذا الجنرال رئيس نزع الأسلحة في روسيا أثناء رئاسة بوريس يلتسين، وتورط بشكل مباشر في بيع مئات الكيلوغرامات من العناصر الأولية لغاز VX إلى النظام السوري. كما توفي هذا الجنرال عام 2002 في ظروف غامضة بعد عودته من... دمشق.

     يبدو أن إزالة الأسلحة الكيميائية السورية ستكون أكثر العمليات كلفة بعد عمليات إزالة الأسلحة الكيميائية في روسيا والولايات المتحدة. تؤكد اتفاقية عام 1997 على أن كلفة إزالة هذه الأسلحة تقع على عاتق الدولة الموقعة على الاتفاقية، ولكن يبدو أنه من الصعب تحميل كلفتها على نظام في حالة حرب. لقد قام بشار الأسد بتقديم فاتورته بالدولارات الأمريكية عندما قال في الأسبوع الماضي إلى محطة فوكس نيوز الأمريكية: "لا بد من مليار دولار تقريباً". لا شك أنه رقم سياسي، وتقدير لحجم "التضحية" التي وافق عليها النظام السوري، ومزاودة ربما سيعقبها مطالب أخرى مثل إنهاء الدعم الغربي للتمرد. ولكن هذا الرقم ليس بعيداً عن الصواب. قال رالف تراب: "يجب على الدول العظمى أن تدفع حصتها، ولاسيما في البداية من أجل البدء بالعملية". ما زال من الصعب تقدير الفاتورة العراقية التي تحملتها الأمم المتحدة في ذلك الوقت. بالنسبة لتفكيك الترسانة الليبية الأقل حجماً بكثير، فقد كلفت عشرات الملايين من الدولارات، وقامت عدة منظمات دولية بتحمل هذه النفقات بالإضافة إلى المساعدات التقنية التي قدمتها الدول إلى ليبيا بشكل مباشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق