الصفحات

الجمعة، ٦ أيلول ٢٠١٣

(سورية: الشبح الذي حملته حرب العراق)

صحيفة الفيغارو 6 أيلول 2013 بقلم الأستاذ في مركز ريمون آرون Raymond Aron للأبحاث السياسية ران هاليفي Ran Halévi

     كان العالم بأسره ينتظر قبل أسبوع الضربة العسكرية الوشيكة ضد سورية، ولكنها تأجلت الآن عدة أيام أو عدة أسابيع أو حتى إلى إشعار آخر. منع البرلمان البريطاني رئيس حكومته من اللجوء إلى السلاح وذلك للمرة في تاريخ بريطانيا منذ القرن الثامن عشر. وفي هذا السياق، قام الرئيس الأمريكي بتغيير رأيه بشكل أثار استغراب مستشاريه، واختار إحالة قرار استخدام القوة إلى الكونغرس، تاركاً فرنسا في وضع يستحيل فيه دعم التدخل العسكري ودون إمكانية القيام به لوحدها.
     إن هذه التغيرات المفاجئة هي الثمن السياسي الذي ما زلنا ندفعه بسبب أخطاء الحرب في العراق. كان يجب متابعة النقاشات المُعبرة في البرلمان البريطاني والآراء المتباينة في فرنسا لكي نعرف أن علاقتنا بالسياسة الدولية ما زالت مسكونة بهاجس التجربة العراقية.
     إذاً، دخلنا في النقاشات لأنه ليس هناك عملية عسكرية. هنا أيضاً، يبدو أن الكثير من الحجج المتبادلة تعود إلى حقبة الحرب على العراق. إن أكثر هذه الحجج تكراراً تطرح مسألة أن جميع الحلول العسكرية مصيرها الفشل: وهذا صحيح إذا كان هناك تفكير بغزو بلد من أجل إقامة الديموقراطية على أسنة الحراب. ولكن هذا التفكير غير موجود لأن الضربات المحددة تستهدف القوات التي ارتكبت جرائم واسعة.
     يشير البعض إلى أن مسؤولية النظام السوري في استخدام الأسلحة الكيميائية ليست مؤكدة، وأنه يجب انتظار تقرير الأمم المتحدة. ولكن المعلومات الأخيرة التي كشفت عنها أجهزة الاستخبارات الفرنسية والأمريكية لم تترك أشياء كثيرة لتأكيد ما نعرفه أصلاً،وذلك ابتداء من الملاحظة البديهية بأن استخدام الغاز يوم الأربعاء 21 آب يحتاج إلى تعبئة لوجستية وطريقة عمل وتنسيق لا يتوفر إلا لدى الجيش السوري.
     يُلوح الروس، مثل الرئيس الأسد في مقابلته مع الفيغارو، بخطر اشتعال المنطقة في حال التدخل العسكري. ولكن المنطقة اشتعلت فعلاً مع هذا النزاع الذي وصل إلى تركيا ولبنان وحتى إلى هضبة الجولان، وأدى إلى سقوط أكثر من مئة ألف قتيل وملايين اللاجئين. إن الدكتاتور السوري منشغل اليوم بالبقاء على قيد الحياة، الأمر الذي يقلل من قدرته على إلحاق الضرر. من غير المحتمل أن يغامر الأسد بالذهاب إلى أبعد من حد معين، لأن براغماتيته تعادل وحشيته. إلا إذا لاحظ أن الأنظمة الديموقراطية الغربية تنوي البقاء خارج النزاع مهما كان الثمن.
     لا معنى لمناقشة إمكانية الهجوم على سورية، إذا لم يتم تحديد الأهداف والوسائل بوضوح. إن المقصود ليس "معاقبة" جرائم الدكتاتور السوري لأن ذلك من اختصاص المحاكم، وليس التردد بين نظام دموي وجهاديين متوحشين. إن المقصود هو القضاء على منشآت أسلحة الدمار الشامل التي استخدمها نظام مجرم ضد شعبه. إذا لم يتحرك الغرب، فإن قدرته على الردع في مجال انتشار أسلحة الدمار الشامل ستضعف في الشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم. إذا لم يمنع الغرب بالقوة استخدام أسلحة الدمار الشامل، فإن ذلك سيوجه ضربة إلى المصداقية السياسية والإستراتيجية والأخلاقية لجميع أنظمتنا الديموقراطية.
     نحن لن نستطيع إيقاف الحرب الأهلية في سورية، ولا حتى التكهن بحلها. ولكننا نستطيع منع استخدام الغازات ضد السكان المدنيين العزل، وردع بقية الدول عن التفكير باستخدامها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق