الصفحات

الاثنين، ١٦ أيلول ٢٠١٣

(إستراتيجية الخيار الأسوأ في تفكير الأسد)

مجلة النوفيل أبسرفاتور الأسبوعية 5 أيلول 2013 بقلم كريستوف بولتانسكي Christophe Boltanski

     يجب على بشار الأسد أن يخرج من قصوره المحصنة مرة واحدة في السنة على الأقل للمشاركة في صلاة عيد الفطر. إنه يتجنب الذهاب إلى الجامع الأموي في المدينة القديمة لأنها خطيرة جداً. في صباح 8 آب، كان يستعد للذهاب إلى جامع أنس بن مالك، ولكن موكبه الذي كان يستعد لمغادرة حي المالكي تعرض لبعض القذائف التي أصابت إحدى سيارات الحماية وأحد الأبنية الرسمية. في المحصلة، أشارت كتيبة لواء الإسلام إلى أنها أطلقت 17 قذيفة على الموكب الرئاسي.
     بعد ثلاث ساعات، ظهر الرئيس على شاشة التلفزيون الوطني وهو يصلي في الجامع. كان يبدو عليه الارتياح ومبتسماً إلى جانب بقية المسؤولين. أشارت المعارضة إلى أنها صور من الأرشيف، وقال سفير الإئتلاف الوطني السوري في فرنسا منذر ماخوس: "لم يذهب إلى جامع أنس بن مالك، وعاد أدراجه". من الناحية الرسمية، لم يحصل أي شيء صباح 8 آب، واعتبر وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أن أصوات الانفجارات المسموعة في جميع أنحاء دمشق هي "نكتة". إن الاعتراف بمثل هذا الهجوم في مركز المدينة يعادل اعترافاً واضحاً بالفشل. لم تتعرض حياة بشار للتهديد إطلاقاً حتى الآن، ولكن دبلوماسياً فرنسياً رفيع المستوى أكد حصول هذا الهجوم. ربما كانت هذه العملية السبب في القصف التي تعرض له المتمردون في ضواحي دمشق بغاز الساران بعد ثلاثة عشر يوماً.
     في يوم الأربعاء 21 آب الساعة الثانية والربع فجراً، سقطت صواريخ محملة بغازات سامة على ثلاثة أحياء غرب العاصمة وعشرات الآحياء في الغوطة الشرقية، وقتلت 1400 شخص منهم 400 طفل حسب إحصائيات السلطات الأمريكية. إن قوة هذه الضربات وطبيعتها واتساعها وتزامنها، ثم القصف بالمدافع والطائرات بهدف إزالة آثار القصف بالغازات السامة، كل ذلك يشير بأصابع الاتهام إلى النظام. يبقى السؤال التالي: لماذا؟ كيف يمكن تفسير مثل هذا الاستفزاز مع وصول مفتشي الأمم المتحدة للتحقيق حول استخدام الأسلحة الكيميائية؟ كما أنه يأتي بعد عام بالضبط من قيام بارك أوباما بوصف مثل هذا العمل بأنه "خط أحمر" لا يجب تجاوزه تحت طائلة توجيه ضربات انتقامية قاسية. تساءلت الباحثة السياسية والناطقة الرسمية السابقة باسم المعارضة السورية بسمة قضماني قائلة: "إنه خطأ كبير جداً. هل بشار هو الذي أعطى الأمر أم ماهر؟ هل تم إبلاغ الحلفاء الروس والصينيين؟ برأيي، لم يتم إبلاغهم لأنهم لن يوافقوا على ذلك إطلاقاً". قال عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري : "قرر حافظ الأسد تطوير السلاح الكيمائي بعد أن رفض الروس تزويده بقنبلة نووية عام 1973"، واعتبر أن بشار الأسد قرر اللجوء إلى السلاح الكيميائي "بسبب صمت الدول الكبرى".

     بشكل موازي للقمع الوحشي المتزايد أكثر فأكثر، يقوم بشار الأسد بمعركة أخرى، ولكنها افتراضية هذه المرة. كان هذا الرجل يترأس الجمعية السورية للمعلوماتية عندما كان يريد إعطاء نفسه صورة عصرية، وتعلم دروس الثورات التونسية والمصرية: من الممكن أن يكون الأنترنت سلاحاً مخيفاً وقادراً على إسقاط دولة، ولكنه يمكن أن يكون أيضاً سلاحاً للقضاء على أعدائه. فتحت السلطات البعثية منذ بداية التمرد الباب على مصراعيه أمام الشبكات الاجتماعية التي كانت ممنوعة حتى ذلك الوقت، وذلك من أجل اختراق هذه الشبكات بشكل أفضل عبر: إرسال أفلام فيديو مزيفة على اليوتوب، وفتح حسابات وهمية على الفيسبوك أو تويتر، واختلاس كلمات السر، وشراء الكلمات الهامة للظهور بشكل أفضل على غوغل. قال الباحثان الفرنسيان ستيفان بازان Stéphane Bazan وكريستوف فاران Varin: "تحول الأنترنت إلى فخ كبير بالنسبة للمحتجين". توصل جواسيس الأنترنت السوريين إلى التعرف ثم القبض على المعارضين الهامين، كما أثاروا الشكوك بالمعلومات المنشورة على الأنترنت الذي يمثل النافذة الوحيدة لحرب تجري داخل أبواب مغلقة. اعترف مسؤولو المعارضة بنجاح هذه المعركة الافتراضية، وقالت بسمة قضماني: "نجحت هذه الحملة في تزييف المعلومات. إن الرأي العام الدولي مقتنع اليوم بأن المتطرفين السنة سيصلون إلى السلطة في حال سقوط بشار".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق