الصفحات

الأحد، ١ أيلول ٢٠١٣

(المعضلة الإيرانية في سورية)

صحيفة اللوموند 31 آب 2013 بقلم غزال غولشيري Ghazal Golshiri وسيرج ميشيل Serge Michel

     كانت الأمور تسير بشكل جيد بالنسبة لإيران وسورية حتى يوم الأربعاء 21 آب. كانت قوات الرئيس بشار الأسد تتقدم على الأرض بفضل المساعدة المستمرة من الجمهورية الإسلامية بشكل جزئي. كان هناك نفي حاد لوجود حرس الثورة الإيراني على الجبهة السورية في البداية، ثم أصبح تبنيه واضحاً أكثر فأكثر. تتحدث المواقع الرسمية في إيران منذ عدة أشهر عن مراسيم دفن "الأبطال والشهداء" الذين ماتوا في سورية. وبتاريخ 20 آب، نشر موقع الأنترنت الإيراني Ahlubyat ريبورتاجاً مصوراً عن زيارة قام بها القائد أبو حجار إلى إيران، وهو مواطن عراقي يقاتل مع كتيبة ذو الفقار لصالح الجيش النظامي السوري، وظهر واقفاً باستعداد أمام ضريح الإمام رضا (Reza) في مشهد بشمال ـ شرق إيران.
     كان كل شيء يجري كما لو أن حرس الثورة في طريقه إلى تحقيق انتصار جديد في أرض خارجية، وذلك بعد دعمهم للرئيس البوسني عزت بيكوفيتش خلال التسعينيات، ونفوذهم المتزايد في أفغانستان والعراق في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من هذين البلدين، بإلإضافة إلى سيطرتهم الكاملة على حزب الله اللبناني. هذا الانتصار الجديد أكثر أهمية لأنه من المفترض أن يكون انتصاراً للنظامين الشيعيين في دمشق وطهران على المقاتلين السنة المدعومين من الدول العربية الكبيرة والغرب.
     ولكن احتمال التدخل العسكري الغربي يمكن أن يُغيّر المعطيات. كما ساهم في إبراز الانقسام في قمة الدولة الإيرانية بين أصحاب الخط المعتدل مثل الرئيس الجديد حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، وأصحاب الخط المتشدد في حرس الثورة وبشكل أقل المرشد الأعلى علي خامنئي. صرّح الرئيس روحاني يوم السبت 24 آب قائلاً: "نحن ندين استخدام الأسلحة الكيميائية. إن الجمهورية الإسلامية التي كانت أيضاً ضحية الأسلحة الكيميائية، تطلب من المجتمع الدولي استخدام كل قوتها لمنع استخدام هذه الأسلحة ولاسيما في سورية". وفي مساء يوم الثلاثاء 27 آب،  تحدث وزير الخارجية الإيراني بعد لقائه مع معاون الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الدولية الدبلوماسي الأمريكي جيفري فيلتمان قائلاً: "نحن نتفاوض الآن لتجنب الكارثة التي تمثل فخاً نصبه المتطرفون للإيقاع بالولايات المتحدة. إذا وقع أوباما بالفخ، سيترك ذكريات مريرة لولايته الرئاسية".
     في صباح يوم الأربعاء 28 آب، كانت لهجة المرشد الأعلى مختلفة، وحذر قائلاً: "إن شن حرب في المنطقة سيكون مثل إشعال فتيل في مخزن للمتفجرات، وستكون نتائجه مجهولة". يأتي هذا التصريح بعد تهديدات المحافظين المتشددين، فقد قال حسين شريعة مداري المُقرب من المرشد الأعلى وحرس الثورة: "لا يوجد أدنى شك بأنه بعد الهجوم على سورية، سيكون هناك آلاف القذائف يومياً لتدمير المنشآت الحيوية في الأراضي المحتلة".
     لا شك أن السؤال هو معرفة فيما إذا كانت الضربات المحتملة ضد سورية ستدفع بإيران إلى الانسحاب من  الجبهة السورية، أو على العكس، إلى تعزيز دعمها إلى الرئيس الأسد. في الحقيقة، ارتفعت بعض الأصوات في طهران خلال الأيام الأخيرة للمطالبة بالتخلي عن الرئيس السوري لمصيره. ولكنهم يمثلون بعض المنشقين والمثقفين الذين لا يتمتعون بنفوذ حقيقي حتى ولو كان الرأي العام يميل إلى آرائهم، لأن الإيرانيين قلقون من الأزمة الاقتصادية الإيرانية أكثر من بقاء النظام في دمشق.
     يواجه الرئيس روحاني امتحانه الأول. كان يُلمح دوماً إلى ان الانخراط الإيراني في سورية سببه حرس الثورة، وأنه لن ينخرط بالصراع مع حرس الثورة حول هذا الموضوع، نظراً لأنه لديه الكثير من العمل على الصعيد الداخلي للوفاء بوعوده الانتخابية، وتخفيف معاناة الشعب الذي يعاني بشكل أساسي من التضخم والبطالة. لا يمكن أن يستمر هذا الموقف المتراجع فترة طويلة، لأن قدرته على تخفيف العقوبات وإطلاق العجلة الاقتصادية عبر استئناف المفاوضات حول الملف النووي مرتبطة بموقف إيران من سورية، شاء ذلك أم أبى. بالنسبة للرئيس الإيراني، إن تخفيض المساعدة الإيرانية إلى النظام السوري ولو بشكل رمزي سيكون انتصاراً كبيراً على المتشددين في النظام، وضمانة لوجود هامش حقيقي للمناورة على الصعيد الدولي. وبالعكس، إن تمسك القوات الإيرانية بالوقوف إلى جانب الأسد يُهدد بإضعاف السيد روحاني داخلياً وخارجياً.

     تقع مسؤولية هذا الخيار الهام على المرشد الأعلى علي خامنئي، باعتباره الوحيد القادر على تغيير موقف حرس الثورة. هل سيسعى إلى تعزيز قوة الرئيس المعتدل، أو على العكس، سيُعقد مهمته بشكل كبير عبر فرض هذه المغامرة العسكرية في سورية التي لا يتمتع الرئيس الإيراني بأي تأثير عليها؟ لم يسمح المرشد الأعلى بتسرب أية معلومات حول نواياه إلى زواره الكثيرين خلال الأيام الماضية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق