الصفحات

الأربعاء، ٨ أيار ٢٠١٣

(العدو الحقيقي لإسرائيل ليس سورية)


صحيفة الفيغارو 7 أيار 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     كيف يمكن تفسير الغارة الإسرائيلية يوم الأحد 5 أيار على المستودعات العسكرية في ضاحية دمشق؟ لا يجب انتظار أن تُعطينا الحكومة الإسرائيلية أي تفسير لذلك. في مثل هذه الأعمال الخارجة عن قواعد ميثاق الأمم المتحدة، اعتادت السلطات المدنية والعسكرية الإسرائيلية على عدم التعبير عن موقفها إطلاقاً. لا تأكيد ولا نفي. تم تطبيق هذا الصمت البارد بعد غارة عام 2008 ضد المفاعل التجريبي النووي في سورية، أو بعد الغارة التي دمّرت مستودع الصواريخ (الموعودة لحركة حماس الإسلامية الفلسطينية) في ضاحية الخرطوم في شهر تشرين الثاني 2012، أو بعد غارة 30 كانون الثاني 2013 ضد مركز للأبحاث على طريق دمشق ـ بيروت. لا يُحبّ الإسرائيليون إطلاق صرخات الانتصار غير المفيدة، ويحرصون دوماً على إنقاذ ماء وجه الدول التي تتعرض أراضيها للهجوم من أجل تخفيف حدة الانتقام المُحتمل.
     بالتأكيد، لم تستهدف قنابل الجيش الإسرائيلي إضعاف نظام بشار الأسد المنهك أصلاً بسبب سنتين من الحرب ضد التمرد. هناك نوع من الاتفاق الضمني بعدم الاعتداء بين سورية البعثية وإسرائيل منذ ثلاثين عاماً، على الرغم من أنهما دولتان في حالة حرب من الناحية النظرية. بقيت حدودهما المشتركة البالغة 43 كم هادئة حتى اندلاع الحرب الأهلية صيف عام 2011 بين حكومة دمشق والكتائب الإسلامية المتحدرة من الأرياف والضواحي السنية الفقيرة. لم يحرص الجيش الإسرائيلي على تعزيز قواته في هضبة الجولان (التي استولت عليها إسرائيل منذ حرب الأيام الستة عام 1967) خلال النزاع الذي استمر 34 يوماً بين إسرائيل وحزب الله صيف عام 2006، لأنه كان متأكداً بأن الجيش السوري لن يتحرك. عندما قرر الأمريكيون والسعوديون والفرنسيون عام 1989 في الطائف إعطاء حافظ الأسد الوصاية على لبنان، لم تعترض إسرائيل. وبعد سنة، انضم الأسد إلى التحالف المعادي للعراق بقيادة الولايات المتحدة: ذهب الجيش السوري لمهاجمة صدام حسين الذي كان يُطلق صواريخ سكود على تل أبيب. إذاً، إن الدكتاتورية العلمانية لعائلة الأسد، وفّرت الاستقرار ووضوح الرؤيا، وتأقلمت مع الحكومة الإسرائيلية.
     استهدفت صواريخ حزب الله سلاح الجو الإسرائيلي يوم الأحد الماضي. تُسيطر الحركة الشيعية اللبنانية على جنوب لبنان بأكلمه وسهل البقاع الشرقي، وأصبحت العدو اللدود للإستراتيجيين الإسرائيليين، ولاسيما منذ حرب عام 2006، عندما ظهر أن القوة الكبيرة للجيش الإسرائيلي انزلقت أمام هؤلاء المقاتلين الشجعان والمقاومين والمُنظّمين الذين لا يمكن رؤيتهم. يعتبر الإسرائيليون أن حزب الله سيعمل دوماً كذراع مُسلّح لإيران في المشرق، وهم لا يريدون أن يتراجع هامش مناورتهم أمام إيران التي تواصل برنامجها النووي العسكري بسبب الخوف من وابل القذائف الصاروخية على المدن والمزارع الإسرائيلية في الجليل.
     لا تُشكل الغارة على دمشق إلا حلقة إضافية في الحرب السرّية ـ المُتمثلة بأعمال التخريب والاغتيال دون تبنيها أبداً ـ التي تقوم بها إسرائيل وإيران الفارسية منذ شهر أيار 2005 تاريخ انتصار الديماغوجي أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. ترى الحكومات الإسرائيلية أن هذا الأخير هو العدو الرئيسي لإسرائيل، باعتبار أنه يعترض على مدى اتساع المحرقة اليهودية وعلى الأسس التاريخية لإنشاء دولة يهودية في فلسطين. إن التهديد الإيراني في حقيقته هو تهديد افتراضي أكثر مما هو حقيقي، لأن إيران بعيدة عن المشرق، ولأن المذهب الشيعي أكثر تسامحاً من المذهب السني، ولأن أحمدي نجاد لا يُمثل أغلبية الشعب الإيراني الذي لا يتضمن تاريخه أي اعتراض ضد اليهود.
     بالمقابل، إن الإسلاميين السنة الذين يتكاثرون في المشرق منذ نجاح الثورات العربية، يُمثلون الخطر الحقيقي على إسرائيل. بالنسبة لهم، إسرائيل هي الشيطان بذاته. عندما سيستولون على دمشق، سيُهجمون فوراً على الدولة العبرية، لأنهم مسكونون بحقد ديني ما زال أعمق بكثير من الخلاف السياسي. في الحقيقة، تواجه إسرائيل تراكماً لثلاثة أعداء ليس لهم طبيعة واحدة. هناك العدو المُنهك: أي الإيديولوجية البعثية التي هاجمت إسرائيل عام 1948. هناك العدو المصنوع: أي إيران أحمدي نجاد. هناك العدو اللدود، أي التعصب السني. إن الرهان المطروح أمام الإستراتيجيين الإسرائيليين في العقد القادم سيكون التمييز بين هذه الأنواع الثلاثة من الأعداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق