الصفحات

الجمعة، ٣ أيار ٢٠١٣

(الأسلحة الكيميائية: تهديد أم حقيقة؟)


صحيفة الليبراسيون 3 أيار 2013 بقلم مارك سيمو Marc Semo

     إن القادة الغربيين مُقتنعون بأنه تم استخدام أسلحة كيميائية في النزاع السوري "بنطاق محدود على الأقل"، وشددوا لهجتهم. ولكن حتى ولو كان الأمر يتعلق "بخط  أحمر" كما قال باراك أوباما في شهر آب، فما زال القادة الغربيون حذرين، وأكد الرئيس الأمريكي قبل يومين بأنه لا يمكن اتخاذ أي قرار "بدون براهين قوية".
     من استخدم الترسانة الكيميائية؟ ربما تم استخدام أسلحة مُحمّلة بمواد كيميائية بتاريخ 19 آذار في خان العسل، ثم بتاريخ 24 آذار في شرق دمشق التي قُتل فيها ستة أشخاص على الأقل بالتسمم. هناك حالات أخرى مُشتبه بها أيضاً. يتبادل النظام والمعارضة الاتهامات، وما زالت السلطات في دمشق ترفض السماح لمحققي الأمم المتحدة بالدخول والتحقيق ميدانياً. في نهاية شهر نيسان، أشار وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل إلى أنه ربما تم استخدام غاز الساران القاتل. كما تم استخدام غازات أخرى أقل فتكاً مثل غاز الخردل. قال دبلوماسي فرنسي: "تكمن الصعوبة في الانتقال من الدليل إلى البرهان ثم إلى الجهة التي قامت بالفعل". هناك صعوبة بتحديد المادة المستخدمة ومن استخدمها، إنه تحقيق صعب بل ومستحيل بدون زيارة المكان ميدانياً. قال سيكو فان ديرمير Sico Van der Meer، خبير الأسلحة الكيميائية في معهد Clingendael في لاهاي، إلى وكالة الأنباء الفرنسية AFP: "لا يمكن استبعاد عثور المتمردين على مستودع للأسلحة الكيميائية، وقيامهم باستخدامها من أجل اتهام النظام". ولكن الفرضية الأكثر احتمالاً تبقى استخدامها من قبل النظام الذي ما زال يُسيطر على مخزون هذه الأسلحة التي تم تجميعها في حوالي 12 موقعاً.
     ما هي حقيقة التهديد؟ تم الاعتراف بحقيقة  الترسانة الكيميائية السورية للمرة الأولى من قبل النظام نفسه في شهر تموز، ولكنه أكد في الوقت نفسه بأنه "لن يستخدمها أبداً ضد الشعب". تم تطوير هذه الترسانة بمساعدة الاتحاد السوفييتي خلال السبعينيات، وهي الترسانة الأكبر في الشرق الأوسط، وتشمل برأي الخبراء مئات الأطنان من العناصر الكيميائية المختلفة، ولاسيما الجيل الأخير من الغازات السامة للخلايا العصبية مثل غاز VX.
     ما زالت الحالات المُشتبه بها محدودة. قال مصدر دبلوماسي فرنسي: "لا شيء يسمح اليوم بالاعتقاد أن النظام انتقل من إستراتيجية التوتر مع استخدام محدود للأسلحة الكيميائية، إلى إستراتيجية الاستخدام الممنهج لها". يسعى النظام إلى التأثير على خصومه والتذكير بإمكانياته، بالإضافة إلى اختبار تصميم الدول الغربية التي أكدت بوضوح منذ بداية الحرب الأهلية بأنها لن تقبل باستخدام النظام لهذه الأسلحة، ولا بوقوعها بأيدي المجموعات الإرهابية الجهادية السنية أو حزب الله الشيعي. لم يتردد الإسرائيليون بقصف موقع لصواريخ أرض ـ جو وبناء عسكري يُفترض بأنه يحوي معدات كيميائية في شهر كانون الثاني بالقرب من دمشق.
     لماذا ما زالت الدول  الغربية حذرة جداً؟ إن القضاء على هذه الترسانة الكيميائية أمر خطير دبلوماسياً وعسكرياً. أكد باراك أوباما البارحة 2 أيار قائلاً: "إذا اتخذنا قرارات بدون براهين قوية، ربما لن نكون قادرين على جمع المجتمع الدولي". كما أكد ميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، قائلاً: "لا يجب أن تكون هذه الأسلحة ذريعة للتدخل في سورية"، وطالب بالبراهين. من الناحية التقنية، إن التدخل أمر صعب حتى ولو كان جوياً فقط. قامت روسيا بتنظيم الدفاع الجوي السوري الذي ما زال ضخماً رغم أنه أصبح قديماً ـ هناك 600 موقع ثابت و300 موقع متحرك ـ . يؤكد الخبراء أيضاً أن قصف مواقع تخزين الأسلحة الكيميائية يُهدد بتسرب المواد السامة جداً إلى الجو. بالنسبة للدول الغربية، يتلخص الأمر بأن يكون تحذيرها رادعاً بما فيه الكفاية لكي لا تضطر إلى الانتقال للفعل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق