الصفحات

السبت، ٤ أيار ٢٠١٣

(سورية: شكوك قوية باستخدام الأسلحة الكيميائية)


صحيفة اللوموند 4 أيار 2013 بقلم كريستوف عياد Christophe Ayad ومراسلها في لندن إريك ألبير Eric Albert وبنجامان بارت Benjamin Barthe وجاك فولورو Jacques Follouou ومراسلتها في نيويورك ألكسندرا جينيست Alexandra Geneste وناتالي غيبير Nathalie Guibert ومراسلتها في واشنطن كورين لينس Corine Lesnes ومراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent Zecchini

     هل كانت مدينة سراقب هدفاً لهجوم بالسلاح الكيميائي يوم الاثنين 29 نيسان؟ إنه الحادث الأخير في قائمة تبلغ حوالي 12 حادثاً من الحالات التي تتوجه فيها الشكوك بقوة نحو النظام السوري باللجوء إلى أسلحة غير تقليدية، الأمر الذي يُثير الجدل بحدة أكبر حول "الخط الأحمر" الذي حدده الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيريه الفرنسي والبريطاني. أظهرت أفلام الفيديو التي نشرها الناشطون في منطقة إدلب بعض المتمردين وهم يختنقون ويتقيؤون بدون وجود جروح ظاهرة. وأظهرت أفلام أخرى قذائف اسطوانية الشكل من البلاستيك رمتها الطائرات المروحية، وهي قذائف بحجم علبة المأكولات المُعلّبة، ومثقوبة بثقب وفتحة تُشبه الصمّام وبأعلاها حلقة. تم إخلاء الضحايا إلى المدينة التركية الحدودية ريحانلي، ووضعهم تحت الحجر الصحي، وتجري فيها التحاليل حالياً.
     يُشبه الهجوم على سراقب تماماً الهجوم الذي أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص في الحي الكردي الشيخ مسعود في حلب ليلة 12 ـ 13 نيسان. نشرت صحيفة التايمز البريطانية بتاريخ 26 نيسان صورة إحدى الضحايا والزبد الأبيض يُغطي فمها وأنفها. أثارت هذه الصورة مشاعر البريطانيين لدرجة أن رئيس الوزراء البريطاني تحدث عن "براهين محدودة ولكن متزايدة... باستخدام الأسلحة الكيميائية، وربما من قبل النظام" كما تحدث عن "جرائم حرب". أجبر هذا التصريح باراك أوباما على الخروج عن تحفظه حول هذا الموضوع الشائك في الأسبوع التالي: هذا التحفظ الذي يعود سببه إلى تلاعب إدارة بوش بخصوص أسلحة الدمار الشامل قبل غزو العراق عام 2003، وأيضاً بسبب "الخط الأحمر" الذي حدد بموجبه التدخل بشكل شبه أتوماتيكي.
     في الحقيقة، إن مسألة الأسلحة الكيميائية تُلخص جيداً إدارة الأزمة السورية بأكملها. من جهة، يختبر النظام حدود المجتمع الدولي، ثم يُنظم عملية ابتذال التصعيد إلى أمر عادي عبر عملية تدريجية مدروسة بعناية. من جهة أخرى، تقوم الديموقراطيات الغربية بإعلان المبادىء التي لا تستطيع ـ أو لا تريد ـ تنفيذها لاحقاً، وتقوم بإدارة تناقضاتها عبر مزيج من التحرك الدبلوماسي والتصريحات النارية. لقد طُرِحت مسألة استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيميائية منذ شهر كانون الثاني، وذلك عندما قامت الصحف بتسريب نتائج التحقيق الذي أجرته أجهزة الاستخبارات في السفارة الأمريكية بتركيا بخصوص الحادث الذي وقع في حمص بتاريخ 23 كانون الأول 2012. لقد استخدم الجيش قنابل غاز أثناء هجوم على أحد الأجزاء المتمردة في حي البياضة، وقتل عدة أشخاص وسمّم العشرات. في ذلك الوقت، أكدت أجهزة الاستخبارات الغربية إلى صحيفة اللوموند استخدام "سلاح كيميائي يشلّ بشكل مؤقت وغير قاتل، دون أن تستطيع تحديد اسمه بسبب عدم وجود عيّنة منه". إنه مادة وسيطة بين الغاز المسيل للدموع والغاز الحربي. إن هذا الهجوم يُشبه الهجومين المرتكبين على حلب وسراقب بتاريخ 13 و29 نيسان.
     يقول الخبراء أن الغازات الحربية مثل الساران وXV  وغاز الخردل، يتم اطلاقهم عادة عبر  القذائف أو القنابل، ولا يمكن استخدامهم بكميات صغيرة. ولكن صحيفة التايمز أشارت بتاريخ 13 نيسان نقلاً عن مصادر في وزارة الدفاع البريطانية إلى براهين على استخدام "نوع من الأسلحة الكيميائية" من خلال العيّنات التي تم إحضارها من سورية. وكشفت الـ BBC لاحقاً أن المخابر العسكرية في Porton Down اكتشفت وجود غاز الساران في هذه العينات. تملك الأجهزة الأمريكية أيضاً مثل هذه العينات التي ربما جاءت من حي خان العسل الذي وقعت فيه قذيفة بتاريخ 19 آذار، وأدت إلى مقتل من 15 إلى 26 شخصاً حسب المصدر، ومنهم من 9 إلى 16 جندياً. استفاض التلفزيون الرسمي حينها بتغطية هذا الحادث، واتهم المتمردين بإطلاق الأسلحة الكيميائية على القرية، في حين نفت المعارضة مسؤوليتها واتهمت النظام. في صباح اليوم التالي، طلب السفير السوري في الأمم المتحدة بشار الجعفري إجراء تحقيق من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي وافق وكلف السويدي أكي سيلستروم برئاسة فريق من خمسة عشر محققاً، ولا يضم هذا الفريق أي عضو من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
     انتبه الفرنسيون والبريطانيون الذي يتابعون هذا الملف عن كثب إلى هذا الفخ، وطلبوا من بان كي مون بتاريخ 21 آذار توسيع التحقيق ليشمل حمص وضاحية دمشق. فيما يتعلق بحادثة خان العسل، إنهم يشتبهون بوقوع قذيفة خاطئة، وأن دمشق تسعى إلى استخدامها لمصلحتها. لقد أكدوا بدون ذكر أسمائهم امتلاكهم براهين "قوية ومُقنعة"، وتحدثوا عن حوادث في حمص وحلب وضاحية دمشق. بتاريخ 19 آذار (أو 24 آذار حسب المصدر)، أدى قصف مُشتبه به إلى مقتل ستة أشخاص في قريتي عدرا والعتيبة شرق دمشق. ربما احتفظ الناشطون بالجثث في مركز تجميع الجثث. وقامت مؤخراً مجموعة دعم سورية في واشنطن، وهي لوبي مؤيد للمعارضة، بتوجيه الاتهامات أيضاً حول هجومين إضافيين في داريا وفي ضاحية دمشق.
     عثر الناشطون بتاريخ 28 نيسان على قنبلة فارغة من العيار الكبير (ODAB 500PM)، سقطت بدون أن تنفجر في أحد الحقول بالقرب من الباب في منطقة حلب. تُشبه هذه القنبلة الوسائل المستخدمة في القصف بالأسلحة الكيميائية. تُخاطر دمشق بشكل كبير. ولكن بعثة سيلستروم لم تتمكن من دخول سورية، ورفض نظام الأسد السماح بدخول محققي الأمم المتحدة إلى الأراضي السورية مُتذرعاً بما يعتبره الدبلوماسيون السوريون والروس "عرقلة" فرنسية ـ بريطانية. هل أفسد الفرنسيون والبريطانيون كل شيء بسبب حرصهم على إتقان عملهم؟ لقد أدى التسرّع بالحديث عن "براهين قوية" إلى إثارة حماس الآلة الإعلامية، وأغلق الفتحة التي كان بان كي مون يعتقد أنه فتحها. تُطالب دمشق بحصولها على هذه البراهين، وتُعرقل كل شيء كإجراء انتقامي.
     إن فريق السيد سيلستروم مُجبر حالياً على التحقيق خارج سورية مع  الجرحى واللاجئين بمساعدة أجهزة الاستخبارات العاملة حول هذه المسألة، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل الذين يتبادلون المعلومات فيما بينهم. لم تفقد الدول الغربية أملها في إقناع روسيا بتغيير رأيها، ويقتصر طلبهم على الدخول إلى ثلاثة مواقع فقط. ولكن كلما مضى الوقت، كلما زالت الآثار. إن البريطانيين هم الذين تقدموا بتحقيقاتهم إلى أبعد حد، ولكن باريس ما زالت مُتحفظة جداً ببياناتها العامة بعكس لندن. ما هو السبب؟ اعترفت وزارة الخارجية الفرنسية قائلة: "من الصعب جداً تأكيد استخدام الأسلحة الكيميائية. تخضع عملية التحقق في هذا المجال إلى بروتوكول دقيق جداً، وتفترض الذهاب إلى مكان الحادث. إن المواد المستخدمة تتبخر بسرعة، ولا يكفي الاعتماد في هذه القضايا على المعلومات المتداولة هنا وهناك. إن الانتقال من التخمين إلى تأكيد الوقائع أمر مُعقد".
     في الحقيقة، حصلت المخابر التي تعمل مع الإدارة العامة للدرك الفرنسي والإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية في فرنسا على آثار لغاز الساران وغاز الخردل من عيّنات وصلتها من الأجهزة البريطانية. فيما يتعلق بالاستخبارات العسكرية الفرنسية، فإنها ترفض تبني التصريحات الأمريكية والبريطانية. لقد ردّ مصدر فرنسي مُقرّب من الملف على مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة بأن قلّة المعلومات التي أرسلتها فرنسا إلى الأمم المتحدة يعود سببه إلى أنه "ليس لديه معلومات". حسب التحليل الفرنسي: "نحن لسنا في وضع يستخدم فيه النظام غاز الساران أو غاز VX بدون حدود. بشار في وضع مُعقد، ولكن ليس لدرجة القيام بأي شيء. من المحتمل استخدام أسلحة كيميائية بكميات صغيرة ضمن إستراتيجية التوتر".
     يعتبر المراقبون أن قضية الأسلحة الكيميائية تلوثت بالأفكار المسبقة لهذا الطرف أو ذاك. لقد أربكت إسرائيل حليفها الأمريكي بشكل كبير، عندما أكد الجنرال إيتاي برون Itai Brun من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بتاريخ 23 نيسان أن دمشق "استخدمت أسلحة كيميائية ضد مواطنيها أكثر من مرة". تم تفسير هذا التصريح كإرادة إسرائيلية بوضع واشنطن أمام مسؤولياتها بخصوص "الخط الأحمر" حول سورية، وذلك من أجل امتحان التصميم الأمريكي حول البرنامج النووي الإيراني. تساءل دبلوماسي فرنسي قائلاً: "ما الفائدة من القول أنه تم تجاوز الخط الأحمر، إذا لم يتم القيام بشيء بعد ذلك؟". يُلخص هذا السؤال المُعضلة التي يواجهها باراك أوباما المُجبر على الرد بعد التأكيدات البريطانية والإسرائيلية.
     يبدو أنه ليست هناك أية دولة مستعدة للتدخل في ظل عدم استخدام الأسلحة الكيميائية بشكل واسع. في الحقيقة، إن الخط الأحمر الواضح والوحيد هو انتقال الترسانة السورية ووقوعها تحت سيطرة حزب الله اللبناني، أو سيطرة المجموعات الجهادية المُقرّبة من تنظيم القاعدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق