الصفحات

الثلاثاء، ٧ أيار ٢٠١٣

(التحوّل الأمريكي باتجاه آسيا يصطدم بإفريقيا)


صحيفة الفيغارو 6 أيار 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     ظهرت علائم الضعف على التحوّل الأمريكي نحو آسيا. لقد بدأ هذا التحوّل قبل ظهور الربيع العربي وقبل عودةإفريقيا كطرف أساسي في السياسة الدولية. تُمثل سورية الحلقة الأخيرة في هذه العملية، وأصبحت الولايات المتحدة مُجبرة على التفكير بتسليح المتمردين بعد أن كانت تأمل بعودة الهدوء تلقائياً، وبقيت صامتة لفترة طويلة حول الأسلحة الكيميائية.
     يؤكد المحللون أن هذا القرن سيطغى عليه صعود القارة الآسيوية. بالنسبة للولايات المتحدة، إن الرهانات ليست اقتصادية فقط، بل أمنية أيضاً: إنها تمتد من التهديد النووي لكوريا الشمالية إلى الخلافات البحرية بين الصين وجيرانها. بدأت الدول الغربية تشعر بالقلق من النمو الكبير للموازنة العسكرية الصينية، وتخشى من أن تزايد القدرات العسكرية الصينية بهذا الشكل سينتهي باستخدامها مستقبلاً. بدأت القاذفات والغواصات الأمريكية بالاتجاه شيئاً فشيئاً باتجاه القاعدة الأمريكية Guam في المحيط الهادي. يرتكز هذا الالتزام الأمريكي أيضاً على طلب جيران الصين الذين تربطهم التحالفات مع واشنطن ويخشون من الهيمنة الصينية.
     يعني التحوّل الأمريكي نحو آسيا بشكل خاص الخروج من أوروبا والشرق الأوسط. قامت الولايات المتحدة بسحب 85 % من قواتها المتواجدة في أوروبا منذ سقوط جدار برلين، وتأمل بانسحاب مماثل من الشرق الأوسط. قام باراك أوباما بإنهاء التورط الأمريكي في العراق وأفغانستان، ولم تعد تريد واشنطن فتح جبهة جديدة في العالم الإسلامي، وأصبحت تدخلاتها في هذه المنطقة تقتصر على النفوذ غير المباشر، أي القيادة من الخلف (leading from behind) كما حصل في ليبيا.
     ولكن الواقع ربما يُبعد الولايات المتحدة عن نواياها الإستراتيجية. بدأت الأوضاع تسوء بالنسبة للربيع العربي، وطالت الحرب في سورية بشكل يُهدد بتحولها إلى حرب إقليمية، وأصبحت منطقة الصحراء الإفريقية (الساحل) في حالة غليان. قامت الولايات المتحدة بتعزيز وجودها في إفريقيا لمكافحة تنظيم القاعدة وحماية مواطنيها ومساعدة حلفائها الأوروبيين. في الوقت الذي تنظر فيه الولايات المتحدة باهتمام إلى آسيا، انخرطت في ليبيا ومالي والصومال، وقدمت لحلفائها مساعدات لا غنى عنها في مجال الاستخبارات والتزود بالوقود جواً والنقل الإستراتيجي.
     أنشأت الولايات المتحدة عام 2007 القوة الإفريقية (Africa Command)، وتُطالب القيادة الأمريكية في إفريقيا بالمزيد من الطائرات بدون طيار ووسائل التجسس الجوي. أصبحت قاعدة جيبوتي مركزاً لمكافحة الإرهاب في الصومال واليمن. كما تم إنشاء قوة تدخل سريع بعد عملية الهجوم على السفارة الأمريكية في ليبيا ومقتل السفير الأمريكي. كما قام البنتاغون ببناء قاعدة عسكرية للطائرات بدون طيار في نيامي بالنيجر.
     لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل الأخطار الأمنية المرتبطة بالملف النووي الإيراني، كما لا تستطيع التخلي عن أفريقيا. كان يجب أن تؤدي العقيدة الأمريكية الجديدة إلى دفع الأوروبيين نحو تحمّل مسؤولياتهم المتعلقة بأمن القارة. ولكن يُلاحظ أن الأوروبيين لم يغتنموا هذه الفرصة، وانخفضت الموازنات العسكرية للدول الأوروبية بسبب الأزمة الاقتصادية. نشرت فرنسا مؤخراً الكتاب الأبيض الجديد حول السياسة الدفاعية الفرنسية خلال السنوات الخمس القادمة، وظهر تراجع الطموحات الفرنسية فيه. لا تريد ألمانيا جيوش قتالية، وبريطانيا غير متحمسة على الصعيد الأوروبي. أشار أحد الدبلوماسيين إلى أن القارة الأرووبية مصابة بـ "الكسل السباتي"، باستثناء فرنسا التي تتحمل مسؤولياتها في الصحراء الأفريقية (الساحل) وبريطانيا التي كانت إلى جانب حلفائها في جميع المناسبات. هل سيفرض الضعف الأوروبي حدوداً أمام التحول الأمريكي نحو آسيا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق